بسم الله الرحمن الرحيم
يمكن لأحد إنكار ما لسيدنا الشهيد الصدر من دور فی ترسيخ دعائم المد الإسلامی الظافر، واسهام فی إرساء قواعده على الصعيدين الفكری والعملی، فی العالم الإسلامی أجمع، وفی العراق على وجه الخصوص، حتى توج حركة الإسلام ببذل دمه الزاكی، فكان بحق سيد شهدا عصره، اسوة بجده سيد الشهدا (ع).
لذلك فاستيعاب ابعاد عظمة هذا العالم الربانی، لا يتيسر لأحد فی مثل هذه الدراسة المقتضبة، ولكن ذلك لا يعفينا من التعرض لأبرز معالم مدرسته العلمية والفكرية، التی أنشاها، وخرج على أساسها جيلاً من العلماء الرساليين والمثقفين الواعين، والعاملين فی سبيل اللّه المخلصين.. رغم قصر حياته الشريفة التی ابتلاه اللّه فيها بما يبتلی به العظما من الصديقين والشهدا والصالحين.
وفی ما يأتی أهم مميزات هذه المدرسة التی ستبقى رائدة وخالدة فی تاريخ العلم والإيمان معاً..
1 ـ الشمول والموسوعية اشتملت مدرسة شهيدنا الراحل على معالجة كافة شعب المعرفة الاسلامية والانسانية. فهی متعددة الابعاد والجوانب، ولم تقتصر على الاختصاص بعلوم الشريعة الاسلامية من فقه واصول فحسب، رغم ان هذا المجال كان هو المجال الرئيس والاوسع من انجازاته وابتكاراته العلمية، فاشتملت مدرسته على دراسات فی الفقه، واصول الفقه، والمنطق، والفلسفة، والعقائد، وعلوم القرآن، والاقتصاد، والتاريخ، والقانون، والسياسة المالية والمصرفية، ومناهج التعليم والتربية الحوزوية، ومناهج العمل السياسی وانظمة الحكم الاسلامی، وغير ذلك من حقول المعرفة الانسانية والاسلامية المختلفة.
وقد جات هذه الشمولية نتيجة لما كان يتمتع به إمامنا الشهيد من ذهنية موسوعية عملاقة، يمكن اعتبارها فلتة يحظى بها تاريخ العلم والعلما بين الحين والاخر، والتی تشكل كل واحدة منها على رأس كل عصر منعطفا تاريخيا جديدا فی توجيه حركة العلم والمعرفة وترشيدها. فلقد كان، رحمه اللّه، آية فی النبوغ العلمی، واتساع الافق، والعبقرية الفذة.
وقدظهر نبوغه منذ طفولته، وبداية حياته، وتحصيله العلمی، كما شهد بذلك اساتذته وزملاؤه وتلاميذه، وكل من اتصل به بشكل مباشر، او التقى به من خلال دراسة مصنفاته وبحوثه القيمة.
2 ـ الدقة فی البحث والتحليل، وشمولية المعالجة من النقاط ذات الاهمية الفائقة فی اتصاف النظرية، اية نظرية، بالمتانة والصحة مدى ما تستوعبه من احتمالات متعددة، وما تعالجه من جهات شتى مرتبطة بموضوع البحث. بالاضافة الى التبويب المنطقی المتناسب مع الموضوع المعالج، وهذه الخصيصة هی الاساس الاول فی انتظام الفكر والمعرفة فی ای باب من الابواب، بحيث يؤدی فقدانها الى ان تصبح النظرية مبتورة، ذات ثغرات ينفذ من خلالها النقد والتفنيد للنظرية.
وهذه الدقة فی البحث العلمی، كانت من اهم ما ميز بحوث السيد الشهيد (قده) وظهرت بدرجة عالية فی جميع ما كتبه، فلم يكن يتعرض لمسالة من المسائل العلمية، سيما فی الاصول والفقه الا ويذكر فيها من الصور والمحتملات ما يبهر العقول، وهذا ما نجده فی حلقاته الاصولية وبحوثه الاخرى، ونذكر منها على سبيل المثال: مباحث القطع، فقد اشتملت هذه المباحث على نكات دقيقة وتخريجات جديدة لم يلتفت لها من قبل.
وقد ظهرت هذه السمة العلمية وهذه الخصيصة كذلك فی أحاديثه الإعتيادية، فعندما كان يتناول أی موضوع، ومهماكان بسيطاً واعتيادياً، يصوغه صيغة علمية، ويخلع عليه نسجاً فنياً ويطبعه بطابع منطقی مستوعب لجميع الاحتمالات والشقوق، حتى يخيل لمن يستمع اليه انه امام تحليل لنظرية علمية تستمد الاصالة والقوة والمتانة من مسوغاتها وادلتها المنطقية.
3ـ الابداع والتجديد ترتكز حركة العلوم وتطور المعارف البشرية على ظاهرة التجديد والابداع التی يقوم بها العلماء والمحققون فی حقل من حقول المعرفة. وقد كان سيدنا الشهيد (قده) يتمتع بقدرة فائقة على التجديد، ومحاولة تطوير ما كان يتناوله من العلوم والنظريات سواءً على صعيد المعطيات أم على مستوى فی الطريقة والاستنتاج.
وكان من ثمار هذه الخصيصة إنه استطاع أن يفتح آفاقا للمعرفة الإسلامية لم تكن مطروقة قبله. فكان هو رائدها الاول، وفاتح ابوابها، ومؤسس مناهجها، وواضع معالمها وخطوطها العريضة. وهذا ما ظهر فی بحوثه الاقتصادية، فقد عالج موضوعات ومباحث جديدة على الفقه الاسلامی، واستطاع ان يكتشف المذهب الاقتصادی الاسلامی. كذلك الامر بالنسبة لاطروحاته المبتكرة حول البنك الاسلامی اللاربوی، ففی هذه البحوث كان سيدنا الشهيد (قده) مبدعا لم يسبق، ومبتكرا لم ينطلق من بحوث اودراسات منجزة من قبل فی هذه المجالات.
كذلك الامر بالنسبة لتطبيقاته للمنهج الموضوعی فی التفسير والتاريخ، فقد استطاع سيدنا الشهيد (قده) ان يكتشف معالم هذا المنهج الذی يمكننا كما يقول (قده) : «من تحديد موقف نظری للقرآن الكريم، وبالتالی للرسالة الاسلامية من ذلك الموضوع من موضوعات الحياة او الكون»، وهذا ما اكده واستطاع الوصول اليه فی بحوثه حول «السنن التاريخية فی القرآن» ووحدة ادوار ائمة اهل البيت فی التاريخ، رغم اختلاف ازمنتهم وتنوع مجالات جهادهم.
كذلك الامر بالنسبة لدراسته المتميزة حول «الاسس المنطقية للاستقرا»، فقد استطاع سيدنا الشهيد (قده) ان يعالج الثغرات التی كان يعانی منها المنطق الاستقرائی، وقدم تفسيراً جديداً مخالفاً لارسطو وبرتراندرسل سماه بـ "المذهب الذاتی". كما استطاع ان يثبت ان الاسس المنطقية التی تقوم عليها جميع الاستدلالات العلمية المستمدة من الملاحظة والتجربة، هی الاسس المنطقية نفسها التی يقوم عليها الاستدلال على اثبات الصانع المدبر لهذا العالم، كما يقول سيدنا الشهيد (قده) الذی يؤكد فی نهاية كتابه هذه الحقيقة قائلا: "وعليه فان هناك معادلة صارمة، فاما ان يقبل الانسان بالاستدلال العلمی ككل، فتدخل القضية الالهية فی ضمنه، واما ان يرفضه ككل، ولذا لا بد ان يكذب كل نتائج العلم بمافيها النتائج التی تعتبر صحيحة ومسلمة!؟ وبهذا يرتبط العلم والايمان برباط لا يمكن زحزحته بای حال من الاحوال".
أما بالنسبة للتجديد، فجميع بحوثه ومؤلفاته لا تخلو أبداً من عناصر تجديدية، خصوصا بحوثه فی علمی الأصول والفقه، فقد أعاد ترتيب مباحث هذين العلمين، وقدم للحوزة العلمية مناهج جديدة فی علم الأصول نذكر منها كتابه "معالم الأصول" الذی إحتضن مقدمة علمية رائعة حول تاريخ علم الاصول ونشأته وتطوره، اما بخصوص ترتيب أبواب هذا العلم، فقد ادخل تعديلات كثيرة بهدف تمكين الطلبة من استيعاب هذه المادة بشكل جيد ومتدرج، هذا الاستيعاب تظهر ثماره فی بحث الخارج، وهناك امثلة كثيرة عما اضافه السيد الشهيد فی علم الاصول، كما ان بحوثه التفصيلية فی علمی الاصول والفقه اشتملت على عدد كبير من الاضافات والتجديدات نذكر منها، فی مجال الاصول، التجديد الذی أدخله على بحث التعادل والتراجيح وما أضاف اليه من فصول بخلاف المنهاج المعهود والمتعارف فی هذا البحث، وفی الفقه أخرج الزكاة والخمس من قسم العبادات عندما كتب "الفتاوى الواضحة".
لذلك ستبقى المدرسة الإسلامية مدينة لهذه الشخصية العملاقة فی هذه الحقول. وخصوصاً فی بحوث الإقتصاد الإسلامی والمنطق الإستقرائی والتاريخ السياسی لأئمة اهل البيت (عليهم السلام).
4 ـ المنهج الموضوعی والنظرة الكلية ظهر ذلك بشكل واضح فی بحوثه حول التفسير الموضوعی، وكذلك فی مجال الإقتصاد، حيث عالج سيدنا الشهيد(قده) موضوعاته بشكل متكامل، وجمعها تحت عناوين جديدة، بينما كانت تعالج ضمن أبواب فقهية متفرقة مثل (ملكية الأرض، الربا، المزارعة، المضاربة).
كما دعا السيد الشهيد الى تطبيق هذا المنهج فی جميع حقول المعرفة ليس فقط فی مجال الاقتصاد وإنما فی التفسير والتاريخ والسيرة وقدم أنموذجاً رائعاً لتطبيق هذا المنهج الموضوعی فی بحوثه حول تاريخ أئمة اهل البيت (عليهم السلام)، وهذا الإتجاه الجديد فی البحث كما يقول سيدنا الشهيد (قده): "يتناول حياة كل امام ويدرس تاريخه على اساس النظرة الكلية بدلا من النظرة التجزيئية، ای ينظر الى الائمة ككل مترابط، ويدرس هذا الكل وتكتشف ملامحه العامة، واهدافه المشتركة، ومزاجه الاصيل، ويفهم الترابط بين خطواته، وبالتالی الدور الذی مارسه الائمة جميعا فی الحياة الاسلامية".
وظهر هذا المنهج التوحيدی والموضوعی، كذلك، فی التقسيم الذی ابتكره فی رسالته الفقهية "الفتاوى الواضحة" ومحاضراته التی القاها على الطلبة فی النجف الاشرف فی التفسير الموضوعی للقرآن، وفيها اكد (قده) على اهمية الانطلاق من الواقع للوصول الى النص القرآنی وفقهه، يقول سيدنا الشهيد بهذا الصدد: "التفسير يبدا من الواقع وينتهی إلى القرآن، لا أن يبدأ من القرآن وينتهی بالقرآن، فتكون القرأة منعزلة عن الواقع، منفصلة عن تراث التجربة البشرية، بل هذه العملية تبدأ من الواقع وتنتهی بالقرآن، بوصفه القيم والمصدر الذی يحدد على ضوئه الإتجاهات الربانية إلى ذلك الواقع".
أما أهداف تطبيق هذا المنهج فهی الوصول كما صرح به سيدنا الشهيد فی "المدرسة القرآنية" إلى نظرية قرآنية عن النبوة، نظرية قرآنية عن المذهب الاقتصادی، نظرية قرآنية عن سنن التاريخ، وهكذا عن السماوات والارض".
5ـ تنسيق البحث واختيار الطريقة المناسبة للاستدلال فی كل موضوع ومن معالم فكر سيدنا الشهيد (قده)، منهجيته العلمية والفنية فی معالجة كل ما كان يتناوله بالدرس والتنقيح.
ومن هنا نجد أن طرحه للبحوث الأصولية والفقهية يمتاز عن كافة ما جاء فی دراسات المحققين السابقين عليه وبحوثهم، من حيث المنهجية والترتيب الفنی للبحث. فتراه يفرز الجهات والجوانب المتداخلة والمتشابكة فی كلمات الاخرين، خصوصا فی المسائل المعقدة، التی تعسر على الفهم، ويكثر فيها الالتباس والخلط، ويوضح الفكرة، وينظمها، ويحللها بشكل موضوعی وعلمی لا يجد الباحث المختص نظيره فی بحوث الاخرين. كما كان يميز بدقة طريقة الاستدلال فی كل موضوع، وهل انها لا بد من ان تعتمد على البرهان او انها مسالة استقرائية ووجدانية؟ ولم يكن يقتصر على دعوى وجدانية المدعى المطلوب اثباته فحسب، بل كان يستعين فی اثارة هذا الوجدان واحيائه فی نفس الباحثين من خلال منهج خاص للبحث، وهو منهج اقامة المنبهات الوجدانية عليه.
وهذه النقطة تظهر بوضوح فی ابحاثه الاصولية، فمن ذلك، على سبيل المثال، ما ذكره «قدس سره» من "مبعدات بشأن القول ببشرية وضع اللغة بنا على نظريات الاصوليين المشهورة فی تحليل حقيقة الوضع، لا على نظريته هو" (انظر تقريراتنا لبحث السيد الشهيد فی الاصل: "بحوث فی علم الاصول"، (1/85).
6 ـ الجمع بين المنهج المنطقی ومراعاة الوجدان الإنسانی من معالم فكر سيدنا الشهيد، نزعته المنطقية والبرهانية فی التفكير ومعالجة القضايا العلمية، ومراعاة كون تلك المعطيات البرهانية تنسجم وتتطابق مع الوجدان وتحتوی على درجة كبيرة من قوة الإقناع وتحصيل الإطمئنان النفسی بالفكرة، فلم يكن يكتفی بسرد النظرية بلا دليل أو مصادرة، بل كان يقدم الأدلة والبراهين المقنعة على كل فرضية يحتاج إليها البحث، حتى لا تتعسر عليه صياغة أی برهان موضوعی كالبحوث اللغوية والعقلانية والعرفية. وهذه السمة جعلت آرا هذه المدرسة ومعطياتها الفكرية ذات صبغة علمية ومنطقية فائقة، يتعذر توجيه نقد اليها بسهولة. كماجعلتها ابلغ فی الاقناع والقدرة على افهام الاخرين وتفنيد النظريات والآراء الاخرى.
وجعلتها أيضاً قادرة على تربية فكر روادها وبنائه بناءً منطقياً وعلمياً، بعيداً عن مشاحة النزاعات اللفظية او التشويش والخبط واختلاط الفهم الذی تسقط فيه الدراسات والبحوث العلمية والعقلية العالية فی اكثر الاحيان.
وفی الوقت نفسه لم يكن هذا الفكر البرهانی المنطقی يتمادى فی اعتماد الصياغات والاصطلاحات الشكلية، التی قد تتعثر على أساسها طريقة تفكير الباحث فيبتعد عن الواقع ويتبنى نظريات يرفضها الوجدان السليم. خصوصا فی البحوث ذات الملاك الوجدانی والذاتی التی تحتاج الى منهج خاص للاستدلال والاقناع. فكنت تجده دوما ينتهی من البراهين الى النتائج الوجدانية، فلا يتعارض لديه البرهان مع مدركات الوجدان الذاتی السليم فی مثل هذه المسائل، بل كان على العكس يصوغ البرهان لتعزيز مدركات الوجدان، وكان يدرك المسالة أولا بحسه الوجدانی والذاتی، ثم يصوغ فی سبيل دعمها علمياً ما يمكن من البرهان والإستدلال المنطقی. ومن هنا لا يشعر الباحث بثقل البراهين وتكلفها اوعدم تطابقها مع الذوق والحس الوجدانی للمسالة، الامر الذی وقع فيه الكثير من الاصوليين والفقها المتأثرين بمناهج العلوم العقلية الأخرى.
7 - الجمع بين الذوق الفنی والاحساس العقلائی الذوق حاسة ذاتية فی الانسان يدرك على اساسها جمال الامور وتناسقها. والذهنية العقلائية هی الاخرى يدرك بهاالانسان الطباع والاوضاع والمرتكزات التی ينشا عليها العرف والعقلا، ويبنی على اساس منها الكثير من النظريات والافكار فی مجال البحوث المختلفة كالدراسات التشريعية والقانونية والادبية.
وهی فی الاعم الأغلب مجالات للبحث لا يمكن اخضاعها البراهين المنطقية او الرياضية او التجريبية، وانما تحتاج الى حاسة الذوق الفنی والذهنية العقلائية والحس العرفی الأدبی.
ونحن نجد فی مدرسة السيد الشهيد الصدر (قده) التمييز الكامل بين هذه المجالات وغيرها فی العلوم والمعارف، ونجد انه كان يتناول المسائل فی المجال الاول بالاعتماد على الذوق الموضوعی والادراك العقلائی المستقيم حتى استطاع ان يضع المنهج المناسب فی هذه المجالات وان يؤسس طرائق الاستدلال الذوقی والعقلائی، ويؤصل قواعدها ومرتكزاتها، خصوصا فی البحوث الفقهية التی تعتمد الاستظهارات العرفية او المرتكزات العقلائية،فأبدع نهجاً فقهياً موضوعياً فی مجال الاستظهار الفقهی خرجت على اساسه الاستظهارات من مجرد مدعيات ومصادرات ذاتية الى مدعيات ونظريات يمكن تحصيل الاقناع والاقتناع فيها على اسس موضوعية.
وتحسن الاشارة الى انه قلما تجتمع النزعة البرهانية المنطقية فی الاستدلال، مع الذوق الفنی والحس العقلائی والذهنية العرفية فی شخصية علمية واحدة. فاننا نجد ان العلما الذين مارسوا المناهج العقلية والبرهانية من المعرفة وتفاعلوا مع تلك المناهج وطرائق البحث قد لا يحسون بدقائق النكات العرفية والذوقية والعقلائية، ولا يبنون معارفهم وانظارهم الاعلى اساس تلك المصطلحات البرهانية، التی اعتادوا عليها فی ذلك البحث العقلی. وكذلك العكس، فالباحثون فی علوم الادب والقانون وما شاكل نجدهم لا يجيدون صناعة البرهنة والاستدلال المنطقی، ولكن نجد ان مدرسة سيدنا الشهيد قد امتازت بالجمع بين هاتين الخصيصتين اللتين قلما تجتمعان معا، وتمكنت من التوفيق الدقيق فی ما بينهما،واستخدام كل منهما فی مجاله المناسب والسليم من دون تخبط او اقحام ما ليس منسجما.
8 ـ القيمة العلمية والحضارية لمدرسة السيد الشهيد لقد كان سيدنا الشهيد الصدر مدركا لتحديات الحضارة المعاصرة، وكان من مميزات مدرسته انها استطاعت التصدی لنسف اسس الحضارة المادية لانسان العصر الحديث، بمنهج علمی نقدی، يرتكز على الموضوعية فی عرضه لهذه الاسس المادية، ثم توجيه النقد الموضوعی لها، وكشف تهافتها وعدم قدرتها على علاج المشاكل التی يتخبط فيها الانسان المعاصر، سواءً فی الغرب أم فی العالم الإسلامی، وقد جاء إنهيار المعسكر الإشتراكی وتفكك دوله وأنظمته السياسية، ليؤكد صحة النقد الذی وجهه السيد الشهيد للأسس الفلسفية التی يرتكز عليها هذا المذهب. اما بالنسبة للمعسكر الرأسمالی فان المسئ والالام التی أسفر عنها تطبيق فلسفته المادية وترويجها تزداد اتساعاً وانتشاراً، خصوصاً داخل الدول الفقيرة والتابعة لهذا المعسكر. فی المقابل وبالمنهج العلمی والمنطقی نفسه استطاع ان يعيدالثقة بالاسلام وشريعته، عندما اكتشف نظرياته فی عدد من الحقول المعرفية المهمة، مثل الاقتصاد والسياسة، ويبرزتفوقها وانسجامها مع الواقع والمجتمع الاسلامی، وقدرتها على انتشال المجتمعات الاسلامية من المشاكل التی تعانی منها، لقد استطاع السيد الشهيد ان يقدم الحضارة الاسلامية شامخة على انقاض تلك الحضارة المنسوفة، وعلى اسس علمية قويمة.
هذه نبذة مختصرة عن معالم مدرسة هذا المرجع والفيلسوف والعارف الربانی والمجاهد الشهيد التی أسسها وأشادها لبنة لبنة بفكره، ونماها مرحلة مرحلة بجهوده العلمية المتواصلة، وهی تعبر بمجموعها عن البعد العلمی، الذی هو احد أبعاد هذه الشخصية العظيمة الفريدة فی تاريخنا المعاصر.
بقلم :
آية الله العظمى المرجع الديني السيد محمود الهاشمي