ibrahim iraqi Admin
الجنس : عدد المساهمات : 68 تاريخ التسجيل : 26/11/2011 العمر : 34 الموقع : الممهدون طوزخورماتو
| موضوع: ايها الراحلون ,,,, بقلم : راسم المرواني الخميس يناير 26, 2012 9:42 pm | |
| .......................... ....
بقلم / راسم المرواني
..........................
....
أشعر بعودة الروح إلى جسدي حين أمر بقبوركم ، وأشعر كأنني (موسى) ، أقف على جانب (الطور الأيمن) ، حين أقف على قبوركم ، وأشعر أن صدري (يتسع) ويتسع ويتسع ليكتنز بالمزيد من الهواء بين قبوركم ، وأحس بكركرة مخنوقة تتدلى فوق قصوركم ، وأحس بأن ثمة خصلات شعر متناثرة بين شواهد قبوركم ، تدل على أن الحبيبة كانت هنا ، لتسمعكم همس العاشقين .
أشعر بالتلاشي ، بالذوبان ، بالتماهي ، حين أمر على موضع مدفنكم (الغزلي اللوعة) ، و (الشاعري الشكوى) و (الزهري اللون) و (الحزين الملامح) والمبتسم بوجه المقبلين ، كأنه صدر العراقيين الطيبين ، وكأنه (مضائف) أهلنا المنتشرة على خارطة العراق الحزينة ، وكأنه عيون اليتامى في مدن الوسط والجنوب والشمال والغرب والشرق من العراق الجريح ، وفي أزقة (المدينة*) .
وأشعر بأن موضع قبوركم يشبه ضاحية بيروت الجنوبية في ليالي الاحتفاء بالنصر ، ويشبه غفوة طفل في حضن أمه في ليالي الشتاء ، ويشبه ألوان رايات مواكب السائرين إلى كربلاء ، ويشبه احتشاد البيارق والزهور الحمراء في المسافة بين قبر الحسين وقبر أخيه العباس في ليالي عاشوراء .
أحس – حين أمر على قبوركم – بالفرق الشاسع بين أن يموت الإنسان وهو ميت ، وبين أن يموت الإنسان وهو حي ، وأقرأ معنى أن يركض الشجاع نحو الحمام كي يموت ، وبين أن يختفي الرعديد خلف الأسوار كي لا يموت ، واستحضر البون بين من يعرف بأنه – لا محالة – سيموت ، وبين من يشعر بأنه حي لا يموت ، وأتلمس الفارق بين أن يموت من يموت حين يموت ، وبين أن يبقى الحي حياً حتى بعد أن يموت .
أكاد – بين قبوركم – أن أتنشق عطراً لا أجده في انتشاءات سحر الزهور ، ولا تشبهه عيدان البخور ، ولا ترتقي له القصائد والكلمات والسطور ، وأكاد أشم منكم عبق الرجولة الذي لا ينتهي عبر العصور ، ولن تمحو أثره الرياح ولا العواصف ولا المد والجزر على ضفاف البحور .
على جوانب مقبرتكم ، وخارج سورها الأخضر الدال على الحياة ، أستطيع أن أقرأ الفرق بين الموت والحياة ، وأستطيع أن أرى الوجوم الذي يكتنف المقبرة بأسرها ، بيد أنني لا أستطيع أن أتجاوز ما أراه بين شواهدكم ، ولن أستطيع أن أغمض عيني عن غدران الحياة التي تدب بين قبوركم ، لتجذب إليها البلابل والعصافير ، لتغرد في فجر البداية ، مؤذنة بصباح جديد بين صباحات الوجود ، لتصبح مقبرتكم كأنها بيت التباشير في الحياة ، أو وكأنها (واحة) في وسط صحراء الصمت .
أدور حزيناً بين أكوام أوجاعكم ، وأتلمس صوركم التي أشعر أنها (تسمع كلامي ، وترد سلامي) ، وأمسح بأصابعي على شبابيك قبوركم المبتسمة كأنها الشناشيل ، وأقرأ عبارات الوداع التي خطتها الأزاميل ، وأقتفي – بكم – خطوات الألق الأولى ، التي بدأتموها أنتم لتختزلوا بها رحلة الألف ميل ، وتزرعوا في أنفسنا عشق التراتيل ...وتفضحوا بها غدر قابيل بأخيه هابيل .
أنتم السابقون ، ولكن ، من أين يتأتى لنا أن نعرف بأننا الـ (لاحقون) ؟ وهل بقي بيننا وبينكم من نسب كي يحدو بنا في نفس الطريق الذي أنتم به ذاهبون ؟ وكيف تجرؤ مخيلاتنا على أن نقتنص صور الغد التي تعلوها ضبابية الإرهاصات (والدنيا) والظنون ؟ ولكن !!! كيفما نكون ، فنحن بكم (لاحقون) ، وكل نفس – لابد – ذائقة الموت ، ومقبلة على ارتشاف كأس المنون ، حين ينتهي آخر الشمع من الذوبان تحت اشتعال خيط السنون .
أيها الراحلون !!!
علمتمونا أن الأرض عاشقة ، وأنتم لها عاشقون ، علمتمونا أن الحياة يمكن تبدأ من بين أصابع الموت ، أو من خلف قضبان السجون ، علمتمونا أن البقاء ليس للأصلح ، بل للذي لا يبيع ولا يخون ، ولذا ، فأنتم الباقون ، وأنتم الخالدون ، وأنتم الفاكهون - عند الله - والآمنون ، أما غيركم ، فقد احتوشتهم الأقدار والمواعيد ، وقيدتهم التوقيتات والتوقيفات والتوفيقات ، فأخوتكم ثابتون ، مرابطون ، مجاهدون ، لا يكلون ولا يملون ، وعلى أكف الموت ينتظرون ، وهناك القليل ممن أغلقوا أبوابهم ...وآثروا أن (يحتلسوا) في بيوتهم ، وهم للآن (نائمون) .
أيها الراحلون الخالدون !!!
أرواحكم (الغالية) التي تمر على وجوهنا كأنها نسائم (الخلجان) ، والتي علمتنا أن نردد كلمة (لبيك) حين يدعونا الحبيب بعد صمت الهمس ، ولوعة الاشتياق ، ومحنة الفراق ، فنبدأ معها أملاً يرف بأجنحته كـ (طائر الأشجان) ، وتفتح شهيتنا لنكتب كلمة (لبيك) على رمال الشظآن ، بانتظار أن يمحوها الموج في زمن اليأس الذي يحوم حول آمالنا ، كالذئاب التي تحوم حول قطعان (الظباء) .
وأنفاسكم الهادئة تـُشعرنا بنشوة عطر (الياسمين) الذي يشاكس الصمت والوحشة في غرفنا اليائسة البائسة ، فيحيلها إلى فضاءات من الحب ، والأمل ، والانتظار الموجع ، والإحساس بالـ (لا جدوى) من الانتظار ، وتمر على مقنيات العمر من قصائدنا لتحيلها إلى أناشيد من الدموع ، وتهفهف على ستائر شبابيكنا (الخضراء) التي تطل على غد الوجود ، والواجمة هناك خلف الحدود .
وصوركم المكتظة بالحزن ، تغازلنا كأعمدة الـ (نور) النازلة من العلياء ، وتصافح أيدينا التي لم تدفئها الحبيبة تحت المطر ، وتلملم أوجاعنا التي لا يمكن أن تنتهي عبر (الأراجيل) ، ولا تريد أن تختفي تحت (المواويل) ، ولا تمل من البحث عن (يسوع) بين الأناجيل .
أيها الراحلون !!!
علمكم (محمد الصدر) كيف تبدءون ولا تنتهون ، وكيف تعيشون ولا تموتون ، وزرع فيكم حب الموت من أجل أن تبقى الحياة ، وعلمكم كيف تعرون صدوركم أمام رصاص الفناء ، كي يبدأ حلم البقاء ، وعلمكم كيف تنامون تحت سرف الدروع لتبدأ بأشلائكم صناعة الغد ، وعلمكم أن تسبقوا الحلم ، وأن تموتوا في سبيل الله ، أو تعيشوا في سبيل الله ، وهنا يكمن سر الوجود ، وفي الحب يكمن سر الخلود . | |
|